ردت عليه بندم زي بنت صغيرة ضيعت مصروفها ، وواقفة أدام أبوها تعيط.
_ أنا حقيقي آسفه جداً ….
قاطعها بهدوء وقال : –
_ أنا مش جايلك طالب اعتذار يا فندم العفو،
أنا بس لقيتك فاضية لدرجة إنك بتجري شكل واحد قاعد في حاله، ولحسن الحظ إني فاضي النهار ده وكنت نازل النادي؛ علشان أهدي أعصابي بس من الواضح أن اللي شبهي محكوم عليه أنه يفضل يشرح للناس كل حاجة وأي حاجة،
حتي في يوم إجازته.
تسمحي لي أحكي قصة بسيطة جداً، ومش حطول عليكم.
قالت رباب بعد ما حست أنها متطمنة : –
_ اتفضل يا فندم سامعينك.
انا اسمي كريم محروس عبد السلام الجيار،
عم عبد السلام الجيار اللي هو جدي، أول ما ابنه محروس خلص البكالوريا حس بأن أجله قرب ،وإن العمر مافاضلش فيه قد اللي راح ،قال يلحق يعين محروس في السكة الحديد ابناء عاملين بس عبد السلام كان ناصح ،طلع ابنه سواق قطر مش محصل زيه، المهم ماطولش عليكم.
محروس حب ذكية أوي، وكان بياخدها في عربية القطر ويبقي حاسس أنه طيار هو حكالي كده بنفسه.
_ يعني باباك كان سواق قطر ؟
_ آه يا ستي، كمان علشان تتحسب علي أدام الناس عيبه في حقي ،وتتحسب لي وله فخر أنه راجل محترم، وإيده نظيفة، وعمل نفسه بنفسه وماربانيش بالحرام.
سيبك من كل ده ،خليني بس أكمل قصة الحب دي علشان نعرف إيه اللي حصل؟
ذكيه كانت طموحة، والفرق بين الطموح و الجشع شعره، لو ماخدتش بالك منها بتضيع.
ذكية كانت شغالة في مصنع غزل ونسيج كبير، صاحبه راجل فلاتي وبتاع نسوان ،لمح لذكية كتير ،وذكية بردو كانت حلوة وزي القمر ، وهو متجوز صاحبة الهلمه دي كلها وعايش في خيرها، وخير أهلها ،وماينفعش يتجوز عليها وكل ما تقع عينه علي واحدة، إما ياخدها في الحرام أو يكتب لها ورقة عرفي.
بس اتجوزت محروس واحلوت أكثر ،واتدورت أكثر وهي حامل احلوت في عين صاحب المصنع أكثر، بس خلفت من هنا عيل ومحروس سماه كريم
_ ده اللي هو حضرتك؟
_ أيوه يا ستي، اللي هو حضرتي.
بس والزن بدأ بعد الست صاحبة المصنع مرات أخينا اتوفت.
وبدأ صاحب المصنع يزن علي ذكية وذكية بالتالي تزن علي محروس ،عاوزه…و عاوزه … و نفسي، ونفسي، بس طبعاً محروس راجل موظف في السكة الحديد ،يعني المرتب اللى داخل علي قد اللي خارج، يعني حتي لا غسالة، ولا تليفزيون، وذكية عاوزه تعيش يومينها وتدلع.
والزن اشتغل عليها ،وهي اشتغلت زن علي محروس، لدرجة إنها كانت بتسيب الواد ابنها وتروح لأهلها تقول لهم أنه بيضربها، وبيذلها لحد ما أهلها وقفوله.
بس محروس اتمسك بمراته وبيته ،ومارضيش يطلق ،وكان بيسيب كريم طول النهار عند جيرانه ،ويرجع باليل يراعي الطفل اللي مالوش ذنب في أي حاجة.
إلا و اتفقت ذكية مع صاحب المصنع يخلصوا منه ،وأجر رجالة؛ علشان ياخد علقة يروح فيها .
_ وحصل إيه، معقول في ناس كده؟
_ تخيلي ترمي ضناها وتموت جوزها؛ علشان هي تعيش.
طبعاً محروس كان كده كده ميت، بس ربنا نجاه يمكن بسبب العيل اللي في رقبته، أو يمكن علشان يبدأ من أول وجديد.
أهل محروس وأصحابه فهموه أنه لو ما طلقهاش كده كده حتعيش مع الراجل العجوز، ولو ماحصلش ومات المرة دي ،المرة اللي جايه يموت.
محروس ماكذبش خبر وطلق ذكية، وأخد كريم وسافر علي القاهرة، أهه يتوه هناك ويربي العيل اللى علي إيده.
واتجوز صاحب المصنع ذكية، وطبعاً ماعرفناش عنها حاجة.
محروس راح اشتغل في محل قماش كويس، لحد قبل ما يموت أبو محروس كان أبوه سايبله ورقة بيقول له فيها أنه كان شايل له حبة شهادات من وهو صغير بمبلغ كبير أوي ألفين جنيه.
ضحكت رباب علي الكلمة، وبصلها كريم وهو مبتسم وقال :-
_ طبعاً حضرتك بتصرفي الألفين جنيه دول عند الكوافير صبغه وباديكير.
_ الحقيقه آه.
_ بس الكلام ده عدي عليه زمن، تحويشه العمر دي كانت من أكثر من خمسين سنة، وأبو محروس كان راجل معمر مات علي ٩٦ سنة، وبالنسبةله دي تحويشه العمر.
طبعاً بعد ما أخد محروس الشهادات، منها شهادات توفير ،وشهادات ذات جوائز، ويظهر أن شهاده منهم ضربت وفازت بخمس آلاف جنيه، وماكنش جدي عرف أن له خمس آلاف جنيه في البنك المركزي.
وأبويا رايح يغير الشهادات لقي أن في حساب باسم جدي فيه أكثر من ٦٠ ألف جنيه، وحس أن ربنا بيطبطب عليه وبيعوضه خير علي صبره.
_ وطول الفترة دي ماتعرفوش حاجة عن ذكية!
_ لا طبعاً، أبويا كان متأثر جداً، حتي إنه كان بيضربني لما أقول له أمي وحشاني يا بابا ،بس كان يرجع ويعيط، وياخذني في حضنه ويقولي كلمة واحدة، ربنا يبعدنا عن طريقها.
المهم محروس رجع شغله لقي أن صاحب المحلات مديون بدين كبير، و عارض محلاته للشراكة
_ والمبلغ ده كان كام ؟
_ ٥٥ ألف جنيه، ماتضحكيش ، الراجل فعلاً كان حيتخرب بيته بسبب المبلغ ده، وفي يوم وليلة علي رأي الست ،كان محروس شريك في محل من أكبر محلات القماش في القاهرة.
ودخل كريم ابنه المدرسة، وبدأ يبقي له محل لوحده ،ومحل جاب مخزن، ورجل زبائن القماش بدأت تقل، والجاهز غرق السوق.
وحس محروس أن السجادة بدأت تنسحب من تحت رجله، سنة ١٩٨١ فتح مشغل للملابس الجاهزة، وحول المحل بتاع القماش لبوتيك ، كان بيعرض عنده وينزل السوق.
وفي يوم أخذني وسافرنا علي سوريا، وهناك شاف العبايات المطرزة، و رجع بكام حاجة للبنات في المصنع ،و كان مجهز ٢٠٠ ثوب؛ علشان يحقق الفكرة، ويجرب بيهم السوق.
وكانت ضربة العمر ،وعمل عبايات سوري وتركي ومغربي.
ونرجع لسؤالك فين ذكية؟
ذكية اتجوزت صاحب المصنع اللي كتبه باسمه بعد وفاة مراته .
وعياله في يوم جم يحاسبوه ألا يجيب من مراته الجديدة عيل، وسمعته وهو بيتكلم مع عيل من عياله أنه طلقها بعد ما اتجوزها بشهرين.
طبعاً اتجننت لما سمعت الكلام ده، وبعدها قتلته ولمت كل الفلوس والذهب اللي في البيت وهربت بيهم ،بس مافيش شهر إلا والبوليس قبض عليها ،وطبعاً أبويا كان شهم معها لأبعد الحدود، جاب لها محامين ووقف جنبها برغم اللي عملته فيه ،ومحاولتها لقتله.
طبعاً ماقدرش يطلعها براءة، بس أهه حاول على الأقل.
لما كبرت عرفت من أبويا المعني الحقيقي للحب والوفاء، واتعلمت منه إزاي أكون إنسان شريف ،و صحفي نزيه إيده نظيفة، أنا مبحاربش المرأه ولا حاجة، أنا بحارب الاستغلال والطمع والجشع وفراغة العين.
يحارب التحرش من الجنسين، لأن ذكية زي ما أنا متأكد أنها اتحرشت بوالدي عشان توصل للجواز،
اتحرشت ولو فكرياً بصاحب المصنع، و لو حتي بجمالها وأنوثتها ده بردو اسمه تحرش، يحارب العري والانحلال اللي بيشربوه لبناتنا وستاتنا باسم الحرية الشخصية، وحرية الإبداع اللي طالعين فيها بتوع حقوق المرأة.
انا بحارب ذكية أمي.
بحارب أي ذكيه ترمي ضناها ؛علشان تعيش براحتها ،بحارب ذكية الطمع ، بحارب ذكية الجشع ،بحارب ذكية الظلم.
أما المرأة لو محبتهاش حكون إنسان مختل جنسياً، وأعتقد إني مش الشخص ده.
عاوزه تعرفي حاجه تانية يا آنسه رباب؛ علشان ماتشككيش في الناس من قبل ما تعرفي ظروفهم أو خلفيتهم كويس.
انفجرت رباب من العياط فجأة، وكأنها كانت خايفة تسمع آخر جملة كريم قالها .
وهو من ناحيته محاولش يهديها ،أو حتي يلمسها، أو يكلمها.
بس أخد بعضه ورجع الترابيزة اللي كان قاعد عليها ،ومسك الكتاب اللي كان بيقرأه ،وكمل قراءة.
بص أدامه لقي رباب اللي كانت ماسكه تليفونها بكل عجرفة من دقائق لسه بتعيط، وبتقول : –
_ انا آسفه يا أستاذ كريم.
_ أتمني إنك تكوني اتعلمت درس غير قاسي؛ علشان تحاولي دائماً تدوري علي الحقيقة.
_ طب ممكن آخد رقم تليفونك.
_ والله هو أنا مبديهوش لحد تماماً، بس علشان الدموع دي أنا ممكن أغرق تيتانك تاني ،
وأرجو إني مكنش ازعجتك.
_ لا بالعكس يا أستاذ، أبداً بس بتمني أشوفك تاني.
_ ده شرف ليا .
_ مرسي أوي.
_ ….. ؟
انا مش عارف عملت كده ليه وإديتها رقمي ،
بس أنا حسيت أن غيرت من إنسانة تافهة، لإنسانة ناضجة، وفي نفس الوقت ماقدرتش أرفض طلبها ،ويمكن اللي بفكر فيه يحصل ،و تبقي واحده غير آلاف عرفتهم.
بس ماحستش معاهم بالأمان، الامان اللي أنا مفتقده ،من ساعة ما أمي رمتني أنا وابويا .